صفوة الصفوة

صفوة الصفوة



حين تمضي المجتمعات في طرق نهضتها ، فإنها تواجه الكثير من الاختلالات ، فطريق التحضر ليس رحباً وسهلاً بالقدر الذي نتصوره ، بل إن الناس إذا أرادوا السير فيه وفق معايير أخلاقية صارمة ، فإنهم سيجدون أنفسهم أشبه بالذي يسير على حبل مشدود, كل همّه ألا يقع في جهة اليمين أو جهة الشمال . صفة الصفوة في أمتنا هم فرسانها الذين تمكنوا من ثلاثة أمور:

وعي جيد بالحال العام للمجتمع الذي يعيشون فيه وحرقة على استقامته ومصلحته تشبه حرقة الأمهات ، ثم مواقف عملية لتلافي الخلل الذي يحدث في التوازن الاجتماعي العام . إن وعي المجتمعات بأنفسها يظل ناقصاً كما أن الشهوات والمغريات والضغوطات التي تلوح دائماً أمامها تدفع بها إلى الإفراط في بعض الأمور وإلى التفريط في أمور أخرى، والمهمة الأساسية لصفوة الصفوة هي إبقاء المجتمع على خط الاعتدال الذي تؤدى فيه الحقوق والواجبات ويقاوم فيه الإفراط والتفريط .

ـ يلاحظ فرسان الأمة وجود انسياق اجتماعي واضح خلف متع الجسد وخلف المرفهات المحسوسة ، فيندفعون نحو إعلاء متع الروح من خلال زيادة التعبد و الإقبال على الله - تعالى- في الأسحار و الخلوات, إنهم ينظرون إلى أنفسهم على أنهم نقاط توازن لحياة اجتماعية عظيمة .

ـ يلاحظ فرسان الأمة أن هناك ميلاً عاماً نحو رعاية المصالح الخاصة و الانكفاء على الذات بسبب التقدم العمراني, فيندفعون نحو إيجاد المناسبات التي تجمع الناس و تعيد للروح الجماعية ألقها من جديد .

ـ يلاحظ فرسان الأمة أحياناً وجود ميل مفرط نحو احتقار الذات و تمجيد العدو و المنافس, فينفخون فيها روح العزة ، و يدلونها على نقاط قوتها و على إمكاناتها الكامنة.

ـ يلاحظ فرسان الأمة أحياناً اتساع دائرة التفاوت الطبقي في المجتمع, فيسعون إلى دعم العناصر المهمّشة و الشرائح الفقيرة و يعملون على إصدار التشريعات و القوانين التي تقلل من حجم التباين بين الناس...إذا كانت الأمة قد احتاجت في يوم ما إلى ألف فارس يقدمون أرواحهم في سبيل الذود عن حياضها، فإنها اليوم في حاجة إلى مائة ألف فارس يملكون الرؤية السديدة للحال التي يجب أن تكون عليها الأمة, و يملكون ما يكفي من الوسائل لتجسيد تلك الرؤية في حياتها على نحو ظاهر.أسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعلنا ممن يسدون الثغرات, و يصلحون المعطوب من التوازنات.

و إلى أن ألقاكم في رسالة قادمة أستودعكم الله و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الدكتور عبد الكريم بكار