عبدالله الغريب داعية جديد
العمر : 43
| موضوع: إنهم يريدون الله الأحد أغسطس 16, 2009 7:41 pm | |
| إنهم يريدون الله
كانت حياتهم مضربا للأمثال في الإخلاص و التجرد، لهم في ذلك قصص و أخبار، إنما هي عبق الزمان الذي تعطّر به، قصص أخفوها و بالغوا في ذلك، حتى أظهرها الله لتكون منارا للسائرين، و عبرة للمعتبرين، و نبراساً يُنير الطريق للكسالى و المتهاونين.
أشبه ما يكون عملهم برجل عمل بليل، فطلع الفجر فرآه كل الناس، و صنف آخر يعملون بالنهار للناس فجاء الليل فطمس كل معالمه.
لما ولي حفص بن غياث - رحمه الله - قاضيا: قال أبو يوسف لأصحابه: تعالوا نكتب نوادر حفص! فلما وردت أحكامه و قضاياه على أبي يوسف، قال له أصحابه: أين النوادر التي زعمت تكتبها ? قال ويحكم! إن حفصاً أراد الله فوفقه.
نعم أراد الله فوفقه، أراد الله فوفقه، إنها المعادلة التي لا تتغير و لا تتبدل و لا تتخلف.
وهذا الإمام مالك - رحمه الله - يقول: جلست إلى ابن هرمز ثلاث عشرة سنة، و استحلفني أن لا اذكر اسمه في الحديث!
فأبى الله إلا أن يُذكر و يُشكر، و يُدعى له و يُستغفر، و نحن الآن و بعد مئات السنين، و ما زالت الأمة تسطر أخباره بكل فخر و اعتزاز، فيا لله ما أعظم العمل حين يكون لله، و ما أجمل عاقبته.
و هذا شيخ الإسلام طلحة بن مصرف - رحمه الله - اشتهر بالقراءة، و كان يسمى سيد القراء، فلما علم إجماع أهل الكوفة على أنه أقرأ من فيها، ذهب ليقرأ على الأعمش ليسلخ ذلك الاسم عنه! و لتـنـزل رتبته في أعينهم، و يأبى الله إلا رفعته.
و هذا إمام أهل السنة يقول عنه ابن معين: ما رأيت مثل أحمد صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا بشئ مما كان فيه من الخير
لأنهم يريدون الله، انشغلوا به ليرضى عنهم، فبماذا يفتخرون و هم يوقنون بأن الخير خيره، و الفضل فضله.
كانت و صاياهم كما قال بشر: لا تعمل لتُذكر، اكتم حسناتك، كما تكتم سيئاتك.
و كانت آمالهم كما قال الشافعي - رحمه الله -: وددت أن كل علم اعلمه تعلمه الناس أوجر عليه و لا يحمدوني!
يا للـه! بمثل هذه العبارات الصادقة يبرز التميز، و تفترق الطرق، و يوفق من يوفق، و يخذل من يخذل، جمعوا الهم فجعلوه واحداً، و اختصروا السفر مع اقرب و أسهل طريق، فبانت لهم المعالم، و ظهرت لهم العلامات، حتى اطمأنت قلوبهم، و فاضت مشاعرهم، و لواعج الشوق تُزعجهم، فشمروا و جدوا في السير، حتى أصبحت أخبارهم مضرباً للمثل، و نجوماً يهتدي بها السائرون، قال ابن القيم - رحمه الله -: " كان الإمام أحمد - رضي الله عنه - شديد الكراهة لتصنيف الكتب و كان يُحب تجريد الحديث، و يكره أن يُكتب كلامه و يشتد عليه جدا، فعلم الله صدق نيته و حسن قصده فكُتب من كلامه و فتواه أكثر من ثلاثين سفرا، منّ الله علينا بأكثرها إلا القليل، و قد جمع الخلال نصوصه في الجامع الكبير فبلغ عشرين سفرا " ا. هـ
نعم " فعلم الله صدق نيته و حسن قصده " ما أجمل قراءتها، و أبهى منظرها، و أحسن عاقبتها.
و هذا إمام دار الهجرة، له النصيب الوافر في هذا الباب، فعن ابن إسحاق بن بابين قال: وجدنا في تركة مالك صندوقين مقفولين فيهما كتب، فجعل أبي يقرأها ويبكي ويقول: رحمك الله إنك كنت تريد بعملك الله، لقد جالسته الدهر الطويل وما سمعته يحدث بشيء مما قرأت.
إنهم يريدون الله بعلمهم، و كلامهم، و سكناتهم و حركاتهم، و جميع أحوالهم و حالاتهم، فهذا عالم المغرب يقول عنه أحد تلاميذه: كان سحنون صمته لله، وكلامه لله، إذا أعجبه الكلام صمت، وإذا أعجبه الصمت تكلم.
و قال ابن متعب: ما عمل سحنون قط شيئاً إلا لله، ولا تكلم بشيء إلا لله، فلذلك عظم خطره.
نعم و لذلك عظم خطره، و تعطّر ذكره، و بقي الثناء له و الترحم عليه، حتى إنهم لا يأبهون برأي الناس و لا يُعيرونه اهتماماً، و لا تعني الاتهامات و الظنون لهم شيئا، فهذا زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب، كان يتهمه الناس بالبخل في حياته، فلما مات نشر الله له الثناء الحسن، و أظهر ما كان يُخفيه بالليل عن الناس، حتى قال أهل المدينة: ما فقدنا صدقة السر إلا بعد ما مات علي بن الحسين.
و إذا كان هذا في العطاء لله، فهناك من يترك لله، فهذا أبو عبد الله محمد بن عتاب القرطبي خلّف صندوقاً مقفلاً قد أوصى ألا يُفتح إلا بعد موته، فلما مات فتح، فإذا فيه أربعة كتب من أربعة رؤساء: ابن عباد وابن الأفطس وابن صمادح وابن هود، كل منهم يدعوه إلى نفسه وتقلّد القضاء ببلده، وقد كتب على كل كتاب منها: تركت هذا لله.
سبحان الله! تأتيه الطلبات من الملوك و الرؤساء، لنيل المراتب و الوظائف العالية، فيجعل هذا كله في صندوق! نعم إنهم يُريدون الله.
و لا ننسى أن نذكر الصحابة رضوان الله عليهم، لأنهم يتبوءون مركز الصدارة في هذا الباب، فترك الله لهم الذكر الحسن، و جُمعت أخبارهم و أقوالهم و أحوالهم في بطون الكتب و صدور الرجال، و أصبحت سيرهم على كل لسان، فلا ترى مسلماً إلا و يُثني عليهم و يُجلهم و يحفظ نبذة من أخبارهم و أحوالهم، لأن ما كان لله يبقى و ينتفع الناس به، قال علي بن الفضيل لأبيه يا أبت: ما أحلى كلام أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، قال يا بني: وتدري بما حلا؟ قال: لا، قال: لأنهم أرادوا به الله - تعالى -.
و قد ذكر الله أنهم (يبتغون فضلاً من ربهم و رضوانا) و أنهم (يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه)، و علق الذهبي على قصة لأمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - فقال: " و لم يكن سعيد بن زيد متأخرا عن رتبة أهل الشورى في السابقة و الجلالة و إنما تركه عمر - رضي الله عنه - لئلا يبقى شائبة حظ لأنه ختنه و ابن عمه، و لو ذكره في الشورى لقال الرافضي حابى ابن عمه، فأخرج منها و لده و عصبته، فكذلك فليكن العمل لله " ا. هــ
نعم كذا فليكن العمل لله، و ما أكثر هذه النماذج و القصص و الأخبار عن الصحابة في هذا المجال.
فالواجب على المربين و المتصدين للتعليم و التوجيه، تعميق هذا المفهوم في النفوس، لأن هذا هو الطريق للرضوان و الفوز و الفلاح، فالمطلوب أن نكون دعاة لله - عز وجل -، لا لأنفسنا و حظوظنا و شهواتنا (و ما يُلقاها إلا الذين صبروا و ما يُلقاها إلا ذو حظٍ عظيم).
منقول | |
|
رياح الشرق مشرفة عامة و مصممة محترفة
| |
أمنية العمر خادم لأحباب المنتدى
العمر : 35
| موضوع: رد: إنهم يريدون الله الإثنين أغسطس 17, 2009 4:32 am | |
| (و ما يُلقاها إلا الذين صبروا و ما يُلقاها إلا ذو حظٍ عظيم).
بوركت اخي الحبيب
حفظك الله من كل سوء
كلامك في غاية الروعة
الله يجزيك الخير
بانتظار إبداعك يا غالي
| |
|