بسم الله الرحمن الرحيموبه عز وجل نستعين..السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهإخوتي في الله..نظرا للهجوم الشرس الذي تتعرض له فتاتنا اليوم، وخاصة في بلاد الحرمين حتى تصبح مثلها مثل أي امرأه أخرى تمضي سافرة وتختلط بالرجال، رأيت أن أنقل لكم هذا الموضوع وأسأل الله عز وجل، أن ينفع به..منقول عن موقع: الألوكة..فتاة اليوم الآن فقط أنتِ حرةإنني عندما أخاطب الفتاة العصرية اليوم، لا أعني بالطبع تلك الصورة التي سجلتها في أذهاننا عشرات الأفلام والأعمال الدرامية، لفتاة تتطلع إلى الحياة الغربية، والتحرُّر من قيود المجتمع الشرقي - فهذه الفتاة قد صارت اليوم أمًّا وجدة، وهي وإن كانت تمثِّل جيلاً مضى، إلا أنَّه قد خط - ولا شك - في حياتنا خطوطًا غائرة، ما زالت تنعكس آثارُها على كثير من المجتمعات.
وإنما أعني بفتاة اليوم تلك الفتاة التي بدأتْ تستقبل الحياة، والتي لم تتجاوز بعدُ سنوات الشباب والكهولة؛ ولكنها استوعبت جيدًا تجربة الأمهات والجدات واختارت نمطًا مختلفًا للحياة.
فلقدْ نشأ الجيلُ الماضي في كثيرٍ من المجتمَعات الإسلامية بعيدًا عن شريعة الإسلام السمْحة، وما يكفله الدِّين من حقوق للناس، وما يفرضه عليهم من واجبات، فتجرَّع الكثيرون مرارة الظُّلْم والقهْر والتسلُّط، وكان للنساء ولا شك النصيب الأوفر من ذلك.
ولم تجد النساءُ صوتًا إسلاميًّا عاليًا أو مسموعًا ينصفهنَّ من خلال كتاب الله - عزَّ وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويُبين لهُنَّ حقوقهن وواجباتهن، والفَرْق بين ما أوْجبه الله لهن في الإسلام من حياة كريمة سعيدة، وبين ما يُعانينه بسبب غياب الدِّين عن الحياة.
بينما التقط المتربِّصون بالمرأة المسلمة - والذين كانوا ربما سببًا في تغييب الدِّين عن حياتها، وبالتالي فيما تعانيه - هذه السَّقْطةَ المجتمعية، وقد علموا جيدًا من خلال استقرائهم للتاريخ أي مكانة تعتليها هذه المرأة في ظل الإسلام، وأي رجال تصنع فتسود بهم أمتها العالم، فنفخوا في رماد المجتمعات المحترقة جهلاً وظلمًا، بل وأرجعوا كل ظلم وقهر يقع على المرأة لحجابِها وقرارها ببَيْتها، وفسَّروا آيات القِوامة على أنها السبب في تسلط الرَّجُل، ليفتُّوا في عضُد المجتمعات الإسلامية من داخلها، ويخلخلوا أعمدتها من الأساس، وليظل الرجل والمرأة في مواجَهة لا تنتهي، فلا يسعدا بأسرة، ولا يستقر بهما مجتمع، ولتنشغل المجتمعات الإسلامية بمعارك وهمية بعيدًا عن معركتها الحقيقية مع المتربِّصين بالدِّين والبلاد.
وقادتْ حركة التحرُّر - غالبًا - أكثر النساء معاناةً، فكنَّ الأعلى صوتًا والأقوى تأثيرًا، وتعاطَف معهن الكثير من النساء، والرجال أيضًا، ودعمهم الغرب والمبهورون بكل ما استطاعوا من مال وإعلام وغيرهما.
وغيب الدين أكثر من حياتنا، بل وصور كل حديث عن عودة الدين إلى حياتنا على أنه دعوة إلى التخلُّف والعودة إلى الوراء، حيث ظلماتُ القهر والظلم.
وخرجت المرأة، واختلطت بالرجال، وانخرطت في العمل، فهل أنصفت المرأة؟ بكل أسف، لا.
بل لقد وجد الرجل المتسلِّط - مع جهله هو الآخر بحقوقه وواجباته وقيم دينه السامية - فرصة لمزيد من قهر المرأة وظُلمها، وبدلاً من أن كان ملزمًا - ولو اجْتماعيًّا - بالإنفاق عليها، أصبح يطالبها بالإنفاق، واستساغ كثير من الناس أكْل حقوق النساء المادية والمعنوية والاجتماعية؛ بدَعْوى المساواة.
ودارت المرأة في دائرة مفْرغة بين العمل داخل البيت وخارجه، ووقعت تحت وطْأة الإرهاق البَدَني والنفْسي إلى التقصير في أحدهما أو كلاهما، فازدادتْ مُبررات الإساءة إليها والضَّغْط عليها، وبدلاً من أن كانت تُستغل داخل بيتها، أصبحت تستغل في البيت والعمل وفي الطريق بينهما.
ونظرت المرأة إلى قدوتها من نساء الغرب، فإذا بهنَّ يتجرَّعْن المرارة والهوان أسجالاً، حتى ليقول الفرنسي إيتين دينيه: "إننا نخشى أن تخرج المرأة الشرقية إلى الحياة العصرية، فينتابها الرُّعب لما تشهده لدى أخواتها الغربيات، اللائي يسعين للعيش وينافسْن في ذلك الرجال، ومن أمثلة الشقاء والبؤس الكثيرة"
[1].
وهو ما جعل النساء في الغرب يطالبن بتشريع قوانين جديدة لحمايتهن وحفْظ حقوقهن، هي في واقع الحال شيء يسير مما كفله الإسلام للمرأة من حقوق أدارت لها ظهرها، وبحثت في كلِّ سبيل عن مهْرب منها، حتى تسمرت قدماها على الطريق، وفاضت نفسها قهرًا بدُمُوع الحسْرة، ولم تجد ملجأ من الله - عز وجل - إلا إليه، فكان أن جعل الله - عز وجل - برحمته وحكمته لها في ظُلُمات معاصيها شعاعًا من نور الهداية والرحمة، فجعل ما أراده بها أعداؤها سببًا لنجاتها؛ {
وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].
فلقد أراد أعداء الدِّين أن يجعلوا خروجها سفورًا وتفلُّتًا، فجعله الله - عز وجل - لها سبيلاً لتعلم أمور دينها فيما تعلمت من علوم، فعرفت حقوقها وواجباتها، وقرأتْ تاريخ أمَّتها، واطَّلَعَت على ثقافات الأمم الأخرى وحضاراتهم، وقارنت بين مكانة المرأة في الإسلام، وبَيْن وضْعها في مختلف المجتمعات الأخرى، حيث كانت وما زالت تكافح من أجل ما تلقيه إليها القوانين الوضعية كل حين من فتات حقوق.
أما المرأة في الإسلام فلم تكن أبدًا شيئًا مهمَّشًا، بل لقد كانت وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع إذ قال: ((ألا واستوصوا بالنساء خيرًا
))[2]، ولقد "جاءت فتاة إلى النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، فجعل الأمر إليها، فقالت: قد أجزت ما صنع أبي؛ ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء"
[3]؛ بل وفي الصحيح: أن أم هانئ بنت أبي طالب حدثت: "أنه لما كان عام الفتح، فرَّ إليها رجلان من بني مخزوم فأجارتهما، قالت: فدخل عليَّ عليٌّ فقال: اقتلهما، فلما سمعته أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو بأعلى مكة، فلما رآني رحب وقال: ((ما جاء بك؟))، قلت: يا نبي الله، كنت أمنت رجلين من أحمائي، فأراد عليٌّ قتلهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قد أجرْنا من أجرْت يا أم هانئ))
[4].
فأي مكانة للمرأة أعز من مكانتها في الإسلام، والتي شهد بها الغربُ أنفسهم، حتى يقول مارسيل بوازار: "أثبتت التعاليم القرآنية وتعاليم محمد - صلى الله عليه وسلم - أنها حامية حمى حُقُوق المرأة التي لا تكل"
[5].
وهكذا استبصرت المرأة طريقَها الصحيح، وشعرت بمسؤوليتها في الحفاظ عليه منيرًا واضحًا للأجيال القادمة، فاختارت التفرغ لأعظم مهمة في الحياة: إنها تربية الإنسان، وتعليم الأجيال القادمة أمور دينهم؛ حتى لا تتكرر المأساة.
إنها مهمة المرأة العظيمة، التي ما إن أدتها بأمانة نالت مكانتها السامية في الدين والمجتمع، ومتى فرَّطت فيها هانت وأهينت، تستوي في ذلك المرأة الغنية بالفقيرة والجميلة بغيرها.
لقد عادت إذًا المرأة إلى البيت؛ طاعةً لربِّها، ورغبة في خدْمة أمتها ومجتمعها، عادت شخصًا مسؤولاً كامل الأهلية، مفيدًا لنفسه وأمته؛ {
يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32].
فما كان عودة للوراء - كما يدعي البعض - وإنما كان تطورًا سليمًا، وتجسيدًا لمعاني الحرية الحقيقية في المجتمع، فما طالبت به المرأة في الجيل الماضي، كان معنى قاصرًا للحرية، التي حصرها الغرب والمبهورون به في معاني الخروج والتبرج والاختلاط؛ ليتحقق لهم ما أرادوه بالمرأة من تحرُّر من تعاليم الدين وضوابط المجتمعات الفاضلة.
أما ما تطالب به المرأة اليوم - وقد ارتقت أعلى الدرجات العلمية، وأنضجت التجارب العديدة بمرارتها وحرارتها عقلها ومشاعرها - فكامل حريتها ومسؤوليتها في تقرير مصيرها، واختيار ما تريده هي لنفسها، رافضة كل محاولة للحجر على عقلها، أو التحكم في مسار تفكيرها بغير ضوابط الشرع والدين.
فلما تحققت لها الحرية التي يكفلها لها دينها الإسلامي، اختارت أن تعود إلى بيتها معززة مكرمة، مكفولة الحقوق، لتقوم بواجبها وتتحمل مسؤوليتها تجاه الأجيال.
وهكذا فإن البيت الذي كافحت النساء في الماضي من أجْل الخروج منه، ليس هو البيت الذي تعود إليه المرأة اليوم، وكذلك فإن الأساس الذي بني عليه وجود المرأة ببيتها في الماضي، ليس هو الأساس نفسه الذي تعود بناء عليه اليوم إلى بيتها.
فإن كان وجود المرأة بالبيت في الماضي قمعًا لها وامتهانًا، وعلى أساس من الجهل بحقوقها وبالدين عمومًا، فإنها اليوم تعود إلى بيتها حبًّا وكرامة، من باب الحرص عليها والحاجة إليها، وعلى أساس من العلم بالدين وبحقوقها.
أليست المرأة اليوم هي الأكثر حرية؟! بل أليست الآن فقط أصبحت حرة؟!ـــــــــــــــــــــــــ
[1] من كتاب "أشعة خاصة بنور الإسلام" لايتين دينيه، فرنسي أشهر إسلامه. نقلا عن كتاب "قالوا عن الإسلام" للدكتور عماد الدين خليل.
[2] حسن صحيح، من سنن الترمذي (نقلاً عن موقع الدرر السنية - الموسوعة الحديثية).
[3] صحيح على شرط مسلم (نقلاً عن موقع الدرر السنية - الموسوعة الحديثية).
[4] صحيح مسلم، عن كتاب "البداية والنهاية"؛ للإمام الحافظ ابن كثير - رحمه الله.
[5] مفكر وقانوني فرنسي، من كتابه "إنسانية الإنسان" نقلاً عن كتاب "قالوا عن الإسلام"؛ للدكتور عماد الدين خليل.
__________________